ترمب والانتخابات الأمريكية- سيناريو الفوضى يهدد الديمقراطية؟

المؤلف: طلال صالح بنان11.19.2025
ترمب والانتخابات الأمريكية- سيناريو الفوضى يهدد الديمقراطية؟

مع مرور الأيام، تتصاعد وتيرة المنافسة الانتخابية الرئاسية المحتدمة في الولايات المتحدة، حيث يتنافس كل من كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي جو بايدن عن الحزب الديمقراطي، والرئيس السابق دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، بكل قوة. يتنافس المرشحان في معركة ضروس لإقناع الجمهور الأمريكي بأنهما الأحق بقيادة البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة، والتي ستبدأ في العشرين من يناير عام 2025.

يتمحور الخطاب الانتخابي لكلا المرشحين، بشكل عام، حول المسائل التي تشغل بال المواطن الأمريكي، وفي مقدمتها القضايا الاقتصادية الهامة، مثل التضخم المستمر، ومعدلات البطالة المرتفعة، والركود المحتمل، وكل ما يتعلق بمستوى دخل المواطن الأمريكي وإنفاقه اليومي. بالإضافة إلى ذلك، تبرز قضايا الرعاية الصحية الضرورية وتكاليف التعليم المتزايدة، خاصة التعليم الجامعي. أما بالنسبة لقضايا السياسة الخارجية، فإنها لا تحظى باهتمام كبير من قبل المواطن الأمريكي العادي.

لا يمكن الاعتماد على استطلاعات الرأي الحالية للتنبؤ بهوية الرئيس القادم للولايات المتحدة، سواء كانت المرشحة الديمقراطية أو المرشح الجمهوري. فعلى الرغم من تطور أدوات استطلاعات الرأي، إلا أنها لا تزال غير قادرة على التنبؤ الدقيق بخيارات الناخب الأمريكي السياسية في وقت مبكر، وتحديد لمن سيمنح صوته في نهاية المطاف. كما أن تقلبات مزاج الناخب الأمريكي، وخاصة أولئك الذين لم يحسموا خياراتهم التصويتية بعد، قد تفسر التباين الكبير في نتائج الاستطلاعات وتذبذبها من استطلاع إلى آخر.

ومع ذلك، يمكن القول بشكل عام أن هناك ولايات تعتبر محسومة النتائج، حيث يعرف لمن ستذهب أصواتها مسبقاً. فمثلاً، تعتبر نيويورك وكاليفورنيا من أكبر الولايات من حيث الثقل الانتخابي وعدد المندوبين الانتخابيين، وهاتان الولايتان تصوتان تقليدياً لصالح المرشح الديمقراطي. في المقابل، تميل ولايات مثل تكساس وولايات الجنوب، مثل كارولاينا الجنوبية والمسيسيبي وألاباما وفرجينيا الغربية، بالإضافة إلى ولايات الغرب الأوسط مثل مونتانا وأيداهو ويوتا، إلى التصويت لصالح المرشح الجمهوري في أغلب الأحيان. وتبقى ما يطلق عليها "الولايات المتأرجحة"، وهي تلك التي لا تملك توجهًا حزبيًا تاريخيًا واضحًا، مثل ولايات بنسلفانيا وميشيغان وأوهايو وأريزونا ومينيسوتا، محور اهتمام كلا المرشحين، حيث يسعى كل منهما لجذب أصواتها وكسب تأييدها.

يتسم الخطاب السياسي خلال هذه الحملات الانتخابية بالعنف الشديد، وغالبًا ما يتجاوز الحدود التي يفترض أن تحكمها معايير الأدب واللياقة في الألفاظ والعبارات. وقد ينزلق المرشحَان إلى مستويات متدنية من البذاءة والتشهير الشخصي وتوجيه الاتهامات جزافًا للخصم، بل وقد يصل الأمر إلى نشر الفضائح والخوض في الحياة الشخصية للمرشح المنافس، والتشكيك في ذمته المالية وسلوكه وتاريخه وفضائحه الخفية.

يبدو كل ذلك متوقعًا، بل ومقبولًا إلى حد ما في الحملات الانتخابية، التي تزداد حدتها تدريجيًا مع اقتراب موعد الاقتراع. ولكن ما لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال هو التشكيك في العملية الانتخابية برمتها، والادعاء بعدم نزاهتها، والقول بتزويرها مسبقًا، ورفض الاعتراف بنتائجها إذا لم تكن في صالح المرشح. فهذا يعتبر طعنًا مباشرًا في العملية الانتخابية وتقويضًا لفكرة الانتخابات نفسها، بل وتحريضًا مبطنًا ضد آلية التداول السلمي للسلطة، التي تعتبر جوهر الممارسة الديمقراطية.

وهناك أمر آخر غير مقبول ومستهجن في الحملات الانتخابية، وهو عندما يوجه المرشح انتقاداته أو إساءاته إلى فئة معينة في المجتمع، كأن يتضمن خطابه ما يشير إلى معاداة للسامية، أو يتضمن عبارات تسيء إلى الخلفية الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية أو العرقية لفئات معينة من المجتمع، أو تنبعث من خطابه الانتخابي نبرة عنصرية أو فاشية. فكل هذه المحظورات يجب على المرشح لأي منصب عام في الولايات المتحدة تجنبها والابتعاد عنها قدر الإمكان.

يبدو أن الرئيس السابق دونالد ترامب لم يتردد في الإفصاح عن جميع تلك المحظورات في خطابه الانتخابي، حيث يعتبر من أشد المعارضين للعملية الانتخابية وآلية التداول السلمي للسلطة، وهو توجه شمولي لا يخفي إظهاره على الإطلاق.

إن أخطر ما يكرره الرئيس السابق ترامب في حملته الانتخابية الحالية، هو نفس ما كان يردده في حملته الانتخابية الأولى عام 2016، من أن نتيجة الانتخابات إذا لم تكن في صالحه، فلن يعترف بها، مؤكدًا زعمه بتزويرها! وقد كرر نفس الزعم عندما خسر انتخابات عام 2020 الماضية، وكاد أن يدفع البلاد إلى كارثة سياسية وأمنية، عندما حرض أنصاره في السادس من يناير عام 2021 على اقتحام مبنى الكونغرس بهدف منع إعلان الرئيس الحالي جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة. بل وزاد على ذلك بالقول إن هذه الانتخابات القادمة ستكون آخر انتخابات تجرى في الولايات المتحدة!؟

إذًا، الأمر الأهم والأخطر في الانتخابات الرئاسية القادمة ليس معرفة من سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة، بل ما الذي سيحدث في البلاد إذا لم يفز الرئيس السابق دونالد ترامب بها، وبالتالي لم يعترف بنتيجتها. هل ستشهد البلاد فوضى عارمة واضطرابات واسعة النطاق؟!

إنه سيناريو مرعب يلوح به الرئيس السابق دونالد ترامب لمستقبل الولايات المتحدة، وربما لسلام العالم وأمنه، إذا لم يفز بالانتخابات القادمة، وذلك بعد أكثر من 250 عامًا من الممارسة الديمقراطية الفعالة والمستقرة التي شهدتها البلاد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة